اجتياز امتحان الكفاءة في اللغة العربية

محاولات قياس الكفاءة في اللغة العربية في الدول العربية

شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً خاصاً في بعض البلدان العربية لتطوير أدوات قياس لتقويم مستوى الأداء اللغوي، في بعضها لدى الطلبة الجامعيين، وفي بعضها الآخر لدى المعلمين، ولدى العاملين في مؤسسات العمل العامة والخاصة. ومن الأمثلة على محاولات تطوير أدوات قياس “مشروع الكفاءة اللغوية للناطقين بالعربية، في جامعة الإمارات العربية المتحدة (2007 updated 2009)، ويعرّف المشروع بأنه “منظومة اختبارية متكاملة، تقيس كفاءة أبناء العربية في التواصل باللغة الفصيحة…”. يقدم المشروع لكل مختَبر (مفحوص) شهادة موثّقة تحتوي على توصيف علمي مفصل لمهاراته وقدراته اللغوية في الاستماع، والقراءة، والكتابة، والإصدار الشفهي. والمستهدفون بالمشروع هم الناطقون بالعربية المتقدمون للدراسة الجامعية أو العمل في المؤسسات العامة.

يرى القائمون على هذا المشروع أن اللغة العربية ما زالت تفتقر إلى معيار علمي دقيق يقيس كفاءة المتواصلين بها، ومن هنا تظهر أهمية تصميم أداة قياس معيارية للكفاءة التواصلية بالعربية الفصيحة، والانتقال بها من مرحلة تعتمد على الذاتية في التقويم إلى مرحلة مؤسسة على معايير علمية دقيقة.

وقامت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في الإمارات العربية المتحدة عام (2007)، وبالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة، بتصميم اختبار لقياس “الكفاءة التربوية في اللغة العربية” للمعلمين والمعلمات الذين يدرّسون اللغة العربية في مدارس الحلقة الأولى الحكومية. وقد اشتملت محاور الاختبار على أربع مهارات أساسية هي القراءة، والكتابة، والاستماع , والمحادثة باللغة العربية؛ وقد صُمِّم الاختبار بحيث تساعد نتائجه على تعرّف برامج التطوير المطلوبة للمعلمين لتحسين أدائهم اللغوي والتغلب على جوانب القصور – في تلك المهارات- بما يمكنهم من التحدث باللغة العربية الفصحى داخل الفصول.

وفي لبنان، تفرض جامعات لبنانية مادة اللغة العربية على جميع طلابها لنيل أية شهادة في أي اختصاص، ومنها الجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف. وقد شارك ممثلون من جامعات لبنانية في طاولة مستديرة لمناقشة “تجارب جامعية في قياس كفاءة الطلاب في اللغة العربية”، لتتعرّف كل جامعة إلى تجارب الجامعات الأخرى بهدف تحسين مستوى اللغة العربية (الأونسكو – لبنان، 2009).

“الأكاديمية العربية” تعمل في موقع على شبكة الإنترنت، منذ العام 2000 في مجال تعليم اللغة العربية وإعطاء الاختبارات على شبكة الإنترنت. تقدم الأكاديمية العربية اختبار الكفاءة في اللغة العربية، بمثابة التويفل (TOEFL) العربي، في أربعة أجزاء: الاستماع، والقراءة للفهم، والقواعد، والكتابة، ويتم تقويم هذه المهارات “بشكل عام” دون الرجوع إلى منهاج معيّن، من خلال معايير عامة تصف كل مستوى، وضعها المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الثانية (Arab Academy, 2009).

المهارات اللغوية المطلوب تقويمها في اختبارات الكفاءة اللغوية

يتحدث عطية (2009) عن ستة مستويات للغة العربية يُفترض بمن ينتمي إليها أن يتقنها:

1. المستوى الصوتي، ويُعنى بالحركات التي تصدر عن الجهاز النطقي عند الإنسان، في نظام يتناول مخارج الحروف وصفاتها؛ وتأتي أهميته في ضبط وتقويم سلامة النطق وكفاءة الاتصال اللفظي.

2. المستوى الصرفي، يتناول “بنية الكلمة وهيئتها، ومشتقات اللغة وصيغها”، وتأتي أهميته الخاصة من حيث أنه يبيّن قابلية اللغة لاشتقاق صيغ لفظية تعبر عن معاني ومصطلحات جديدة.

3. المستوى النحوي، ويُعنى بالإعراب وقواعد تركيب الجمل بأنواعها. وللنحو أهمية كبيرة “فالخطأ في النحو لحن، واللحن عيب في الكلام وغموض في الدلالة والبيان”.

4. المستوى الكتابي، ويشمل تعرّف أصول الخط والإملاء والترقيم، وترتيب الأفكار وتنظيمها في اللغة المكتوبة، وله قواعد وأساليب في أنواع من الكتابة: الأدبية، القصصية، الرسائل، التقارير، وغيرها.

5. المستوى الدلالي، ويهتم بعلم الدلالة، وهو العلم الذي يبحث في معاني الألفاظ والجمل والعبارات، ويُعنى بالتطور الدلالي للكلمة، ومن موضوعاته الدراسات المعجمية وأنواع المعاجم وطرائق استخدامها.

6. المستوى البلاغي، ويشمل مجموعة من القواعد قي علوم البلاغة: المعاني، والبيان، والبديع، ولهذا المستوى أهميته الخاصة في الكتابات الأدبية.

وفي إصدار آخر للمؤلف عطية (2008) يتحدث عن مهارات الاتصال مستنداً إلى نموذج “الاتصال اللغوي”، و أبرز مكوّناته كما يطرحها عطية هي: مُرسِل، ورسالة، وقناة اتصال، ومستقبِِل. ويعرّف المرسِل بأنه مصدر الرسالة، والرسالة محتوى لغوي أو فكرة يريد المرسل توصيلها إلى المستقبِل، وقناة الاتصال -كما يعرّفها عطية- هي اللغة أو الألفاظ المستعملة لنقل المحتوى أو الفكرة إلى المستقبل، وقد تكون مكتوبة أو منطوقة، والمستقبل هو الطرف الآخر الذي يستقبل الرسالة.

ويذكر المؤلف عطية شروطاً يجب توافرها في كل من هذه المكوّنات حتى تنتقل الرسالة بدرجة عالية من النقاء والوضوح. وعند ترجمة عملية الاتصال إلى مهارات لغوية لأغراض تعلّمها، أو تقويمها في أساليب اختبارية، تصبح مهارات الكلام، والكتابة، والاستماع، والقراءة.

ويلتقي مصطفى (2007) مع عطية في حديثه عن أربع مهارات أساسية في اللغة العربية لها أهميتها في تعلم اللغة العربية وفي تقويم مستوى الكفاءة فيها عند متعلميها، وهي المهارات نفسها التي ذكرها عطية، وقد حاول مصطفى تعريف كل من هذه المهارات بمحموعة من القدرات التي يمكن الاستفادة منها في تخطيط استراتيجيات تدريسها، وتصميم أساليب تقويمها (المرجع السابق).

وبالرغم من أن اختبار التويفل (TOEFL

) مصمم لتقويم الكفاءة في اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها، إلا أنه يقدم لنا تصوراً منطقياً للمهارات اللغوية التي يمكن قياسها بطريقة عملية باستخدام أساليب القياس الجمعي، كتابياً أو بآلية محوسبة. تتوزع أسئلة هذا الاختبار في أربعة أجزاء، كما يلي:

– الجزء الأول، الاستيعاب السمعي، ويتألف من نصوص متنوعة تلقى على المفحوص سماعيا، ويتبع كل نص بأسئلة من نوع الاختيار من إجابات عِدَّة.

– الجزء الثاني، يتألف من أسئلة موضوعية من نوع الاختيار من عدة إجابات عن قواعد البنية اللغوية والتعبير الكتابي.

– الجزء الثالث، الاستيعاب القرائي، ويتألف من مجموعة من النصوص القرائية المختارة، يلي كلاً منها مجموعة من الأسئلة الموضوعية تتناول قضايا الدلالة، والمعنى في السياق، والمعنى الضمني، وغير ذلك.

– الجزء الرابع هو اختبار الكتابة أو المقالة، ويُعطى فيه المفحوص عنوان موضوع، ويطلب منه كتابة مقالة عن الموضوع، يتم تصحيحها وفق معايير محددة.

يُلاحظ هنا أن مهارة النطق لا يتم اختبارها في الأجزاء الأربعة المذكورة، إذ إنها تتطلب موقفاً اختبارياً فردياً، وآلية خاصة في تقويم وتقدير مستوى الأداء فيها. لكن في السنوات الأخيرة نلاحظ أن مهارة النطق أصبحت تؤلف جزءاً مكملاً من اختبار (تويفل) المحوسب، وليس الكتابي.

يُستخلص مما سبق أن تصميم امتحان الكفاءة في اللغة العربية لا بد من أن يأخذ بالحسبان اعتبارات عملية تفرض محددات في اختيار المهارات اللغوية التي يسهل قياسها بدرجة معقولة من الدقة، وفي أساليب القياس التي يمكن تطبيقها بموضوعية. ونتيجة لتراكم خبرات باحثين في هذا المجال، نجد أن المهارات اللغوية الأكثر شيوعاً تتلخص في الجوانب الأربعة التي سبق الكلام عنها، وهي: الاستيعاب السمعي، والاستيعاب القرائي، وقواعد التركيب اللغوي، والكتابة المقالية.

الدراسة الاستطلاعية

انطلاقا من الأهداف التي تم تحديدها في هذه الورقة (ص4) والمتعلقة بِـ “تعرّف جوانب القصور في الأداء اللغوي لدى عينات من العاملين في المؤسسات العامة والخاصة”، فقد تم تصميم دراسة استطلاعية يتم فيها التعرّف إلى نتائج أساليب اختبارية سبق تطبيقها لتحديد مستوى الكفاءة في اللغة العربية في عينة من 50 طالباً ممن تقدموا للالتحاق ببرامج الدكتوراه في جامعة عمان العربية للدراسات العليا في العامين الأكاديميين 2006/2007 و 2007/2008، ويأتون من مؤسسات عمل عامة وخاصة في مجالات القانون والإدارة والتربية والتعليم، بمختلف فروعها.

طُبق على أفراد العينة الذين تقدموا للامتحان العام 2006 نموذج للامتحان يختلف بعض الشيء عن نموذج آخر طُبق على الأفراد الذين تقدموا للامتحان العام 2007، وفي كلا النموذجين تألّف الامتحان من جزء موضوعي تناولت أسئلته تطبيقات على مهارات لغوية شملت الإعراب (ضبط الشكل)، والترقيم، والتعبير الكتابي (في تكوين الجمل)، والصيغ النحوية (للأسماء الخمسة)، وكتابة الأرقام (حسب موقعها من الإعراب)، والإملاء (مع التركيز على كتابة الهمزة)، وتكوين الجمل (باستخدام كان وأخواتها أو إن وأخواتها)، وفهم الدلالة في أمثال أو أبيات من الشعر. بالإضافة إلى ذلك تضمّن الاختبار جزءاً مقالياً، يُطلب فيه من الطالب كتابة مقالة في موضوع يُعطى له.

وبالرغم من أن المهارات التي تناولتها الأسئلة في النموذجين واحدة، إلاّ أن محتوى الأسئلة اختلف قليلا في بعضها، وتشابه في بعضها الآخر، مما ترتب عليه أن يتم تحليل الاستجابات لجميع أفراد المجموعتين كمجموعة واحدة.

تحليل الاستجابات للامتحان: إن التحليل على أساس عدد الاستجابات الصحيحة، أو نسبتها إلى علامة كلية على الامتحان، لا معنى له لسببين : أولاً، أن الأسئلة التي يتشكل منها الامتحان لا تمثل بالضرورة المهارات اللغوية بمجملها، وقد لا تتحقق فيها الأوزان التي تعبر عن أهميتها النسبية كما يمكن أن يتفق عليها المتخصصون أو كما يمكن أن تستخلص من دراسات تجريبية تتحدد فيها محكات الفاعلية. ثانياً، ليس هناك اتفاق على معيار علمي دقيق يتحدد بموجبه مستوى الكفاءة اللغوية (مشروع الكفاءة..، 2007)؛ لذلك وجد من المناسب أن تكون وحدة التحليل الخطأ، ومعدل الخطأ، في الإجابة على الأسئلة المتعلقة بكل نوع من المهارة اللغوية، على أساس أن ينتهي التحليل إلى عينة من الأخطاء اللغوية التي تشيع لدى فئة من الأفراد تُعد من النخب لكونهم يلتحقون بأعلى مستويات التعليم العالي في برامج الدكتوراه.

فُرّغت استجابات أفراد الدراسة، وتم حساب أعداد الاستجابات (الأخطاء) ونسبُها في كل من تسع مهارات تناولتها أسئلة موضوعية. أما المقالة فقد تم تصحيحها في كل ورقة بتفحص وجود أو عدم وجود تكرار واضح في أحد جوانب القصور التالية: أخطاء في النحو والصرف، أخطاء في الإملاء، عدم التقيّد بقواعد الترقيم، ضَعف التركيب اللغوي وتكوين الجمل، سوء تنظيم المقالة في فقرات، ضعف الترابط والتسلسل في الأفكار.

نتائج الدراسة الاستطلاعية: يبيّن الجدول1 عدد حالات الخطأ ونسبتها في العينة الكلية (عددها=50)، ومجموع الأخطاء ومعدلها في الفئة التي ارتكبت أخطاء لغوية، كما تعبر عنها استجابات العينة إلى 45 سؤالاً موضوعياً، في تسع مهارات لغوية.

الجدول1: حالات الخطأ ونسبتها في العينة الكلية، ومجموع الأخطاء ومعدلها بين المخطئين

المهارة اللغوية

عدد حالات لا خطأ

عدد حالات

أكثر من خطأ

نسبة حالات الخطأ

مجموع الأخطاء

معدل الأخطاء بين المخطئين

ضبط الشكل

18

32

64%

88

2.75 من 8

الترقيم

27

23

46%

64

2.78 من 6

التركيب اللغوي

15

39

78%

97

2.5 من 6

التعبير الكتابي

30

20

40%

24

1.2 من 3

صيغ نحوية

30

20

40%

44

2.2 من 3

كتابة الأعداد

15

35

70%

78

2.2 من 5

الإملاء

11

39

78%

115

3.0 من 6

تكوين جمل

15

35

70%

103

3.0 من 5

فهم المعنى

43

7

14%

9

1.3 من 3

يُلاحظ في النتائج التي يعرضها الجدول1 أن المهارات التي كانت فيها نسب الحالات (الأفراد) التي ارتكبت أخطاء لغوية، وكانت معدلات الخطأ عندها أكبر ما يمكن -مقارنة بغيرها- هي:

  • · في ضبط الشكل (64%)، مثلا: النصب بالفتح للمفعول به، والجر بالكسر للمضاف إليه، وغير ذلك.
  • · في التركيب اللغوي (78%) عند التمييز بين تركيب لغوي سليم وآخر خاطئ.
  • · في كتابة الأعداد حسب موقعها من الإعراب (70%).
  • · في الإملاء (70%)، وبشكل خاص في كتابة الهمزة حسب موقعها، وإضافة الألف أو حذفها بعد كلمة (اسم أو فعل) تنتهي بالواو.
  • · في تكوين جمل (70%)، بإضافة كان وأخواتها، أو إن وأخواتها.

وكانت نسب حالات الخطأ ومعدلاته متدنية بشكل ملحوظ في الأسئلة التي تناولت فهم المعنى، وتكوين جمل بإدخال الكلمة المناسبة في جملة معطاة. وباستثناء أسئلة “فهم المعنى” التي اقتصرت في كل منها على بيت من الشعر أو مثَل في عبارة مقتضبة، لم تقل نسبة الأفراد الذين ارتكبوا أخطاء لغوية في أي من المهارات اللغوية عن 40%، وهو أمر جدير بالانتباه إذا ما تذكرنا أن عينة الدراسة هم من طلبة برامج الدكتوراه في علوم اجتماعية.

إمارة أبو ظبي

اشترك الآن